فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان استهزائهم بالحق عظيمًا جدًّا، عد استهزائهم بغيرة عدمًا، وأشار إلى ذلك بتقديم الجال فقال: {به يستهزؤون} من الوعيد الذي كانوا قاطعين ببطلانه فعلم قطعًا أنه إنما يفرح من العلم بما تضمن النجاة والسعادة الأبدية على أن سوق الكلام هكذا مليء بالاستهزاء بهم والتهكم عليهم لأنهم نصبوا العالم المطيق المنطيق الذي إذا غلب خصمه فأسكته وألقمه الحجر فأخرسه وأفحمه بواضح الحجة وقويم المحجة ظهر عليه السرور وغلبه الفرح فإن عاند خصمه ووقف مع وهمه استهزأ به وتضاحك منه- هذا مع ما عنده من عمايات الجهل التي لا يكفرون على إنكارها بدليل اعتراف هؤلاء الذين أرسل إليهم هذا النبي الكريم أن أهل الكتاب أعلم منهم، فكانوا يوجهون ركابهم إلى اليهود يسألونهم عن أمرهم وأمره على أنه قد أتاهم بما يعلي به قدرهم على أهل الكتاب، ويجعلهم المخصوصين بالسيادة على مر الأحقاب، وهم يأبون بمجادلتهم بالباطل إلا سفولًا وإعراضًا عن الصواب، وعدولًا ونكوصًا ونكولًا، والآية مرشدة إلى أنه لا يتعلم إلا من ظن من نفسه القصور، ولهذا كل أقبل شيء للعلم الصغار، والآية من الاحتباك: إثبات الفرح أولًا دليل عل حذف ضده ثانيًا، وإثبات الاستهزاء ثانيًا دليل على حذف مثله أولًا.
ولما كانت هذه السورة في بيان العزة التي هي نتيجة كمال العلم وشمول القدرة، وكان عظم العزة بحسب عظمة المأخوذ بها المعاند لها، كرر ذكر المجادلة في هذه السورة تكريرًا أذن بذلك فقال في أولها {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} ثم دل على أنهم مأخوذون من غير أن يغني عنهم جدالهم الذي أنتجه ضلالهم، وعلى توابع ذلك ترغيبًا وترهيبًا إلى أن قال: {هو الذي يريكم آياته} وذكر بعض ما اشتد إلفهم له حتى سقطت غرابته عندهم، فنبههم على ما فيه ليكفهم عن الجدال ويغتنوا به على اقتراح غيره، ثم ذكر قصة موسى عليه الصلاة والسلام مذكرًا لهم ما حصل من تعذيب المكذبين المجادلين بعد وقوع ما اقترحوا من الآيات بقولهم {فائت بآية إن كنت من الصادقين} ومضى يذكر وينذر ويحذر في تلك الأساليب التي هي أمضى من السيوف، وأجلى من الشموس في الصحو دون الكسوف، حتى قال: {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتًا عند الله وعند الذين آمنوا} ثم شرع في إتمام قصة موسى عليه السلام إلى أن قال: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم} لشدة الإلف وضوحها جدال المجادل، وضلال المماحك المماحل، لولا أنه قد أخرجتها شدة الألف لها من حيز الغرابة من خلق الخافقين وتكوير الملوين، وبسط الأرض ورفع السماء وتصوير الإنسان وما فيه من عظيم الشأن، فكشفت ستورها، وبين دلالتها وظهورها، ولفت الكلام إلى تهديد المجادلين بقوله منكرًا عليهم {ألم تر إلى الذين يجادلون} خصمه بما هو من حججه كالشمس نورًا وطلعة وظهورًا أنكر بالاستفهام الذي هو أمر من وقع السهام.
فلما ثبت بذلك عنادهم وغلظتهم وقوتهم في لددهم واشتدادهم، بين جهلهم بذلهم عند ما أحكموا عقده من شرهم، فقال مبينًا لما أجمل من الحيق مسببًا عنه لافتًا القول إلى مظهر العظمة ترهيبًا: {فلما رأوا} أي عاينوا {بأسنا} أي عذابنا الشديد على ما له مجامع العظمة، ومعاقد العز ونفوذ الكلمة، كما ظهر لنا في هذا البأس من غير إشكال ولا إلباس، وأكدوا ذلك نافين لما كانوا فيه من الشرك: بقولهم {وحده} ودل على إنحلال عراهم ووهي قواهم بزيادة التصريح في قولهم: {وكفرنا بما كنا} أي جبلة وطبعًا {به مشركين} لأنا علمنا أنه لا يغني من دون الله شيء.
ولما كان الكفر بالغيب سببا لعدم قبول الإيمان عند الشهادة قال: {فلم يك} أي لم يصح ولم يقبل بوجه من الوجوه لأنهع لا كون يساعد على ذلك ولا بأدنى درجات الكون، فأشار بكان إلى أن هذا أمر مستقر وشأن مستمر لكل أمة ليس خاصا بالمحدث عنهم ومن مضى قبلهم وبحذف لام الكلمة إلى أنهم أمعنوا في الترقق بتقرير الإيمان وتكريره وتسريحه، والوقت ضيق والمجال حصير، وقد أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة، فلم يكونوا لفوات الوقت موفين بما طلب منهم {ينفعهم إيمانهم} أي يتجد لهم نفعة بعد ذلك لأنه إيمان إلجاء واضطرار لا إيمان طواعية واختيار {لما رأوا} وأظهر موضع الإضمار زيادة في الترهيب، فقال: {بأسنا} لأن الإيمان لا يتحقق ولا يتصور إلا مع الغيب، وأما عند الشهادة فقد كشفت سريرته على أنه قد فاتت حقيقته وصورته، فلو ردوا لعادوا، ولو أتاهم بعد ذلك العذاب لانقادوا، ولهذا السر قال تعالى صارفا القول إلى الاسم المقتضي لمزج الحكمة بالعظمة: {سنت الله} أي سن الملك الأعظم المحيط علما وقدرة ذلك ف يكل دهر سنة، ولذا قال: {التي قد خلت في عباده} أن الإيمان بعد كشف الغطاء لا يقبل، وكل أمة كذبت الرسل أهلكت، وكل من أجيب إلى الإيمان المقترحة فلم يؤمن عذب، سنها سنة وأمضاها عزمة، فلا غير لها، فربح إذ ذاك المؤمنون {وخسر} أي هلك أو تحقق وتبين أنه خسر. ولما كان المكان لا ينفك عن الزمان، استعير ظرفه له وليدل على غاية التمكن فقيل: {هنالك} أي في ذلك الوقت العظيم الشأن بما كان فيه وكان {الكافرون} أي العريفون في هذا الوصف فلا انفكاك بينهم وبينه، وقد التف آخرها بما بين من كمال العزة وتمام القدرة وشمول العلم مما رتب من أسباب الهداية والإضلال ووالإشقاء والإسعاد والنجاة والإهلاك بأولها أي التفاف، واكتنفت البداية والنهاية بيان ذلك مع ما اشتمل عليه الوسط أيضا منه أعظم اكتناف، فسبحان من هذا إنزاله، وتبارك اسمه وجل جلاله، ولا إله سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله، رب سهل كريم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} اعلم أنه تعالى راعى ترتيبا لطيفًا في آخر هذه السورة، وذلك أنه ذكر فصلًا في دلائل الإلهية وكمال القدرة والرحمة والحكمة، ثم أردفه بفصل التهديد والوعيد وهذا الفصل الذي وقع عليه ختم هذه السورة هو الفصل المشتمل على الوعيد، والمقصود أن هؤلاء الكفار الذين يجادلون في آيات الله وحصل الكبر العظيم في صدورهم بهذا، والسبب في ذلك كله طلب الرياسة والتقدم على الغير في المال والجاه، فمن ترك الانقياد للحق لأجل طلب هذه الأشياء فقد باع الآخرة بالدنيا، فبين تعالى أن هذه الطريقة فاسدة، لأن الدنيا فانية ذاهبة، واحتج عليه بقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني لو ساروا في أطراف الأرض لعرفوا أن عاقبة المتكبرين المتمردين، ليست إلا الهلاك والبوار، مع أنهم كانوا أكثر عددًا ومالًا وجاهًا من هؤلاء المتأخرين، فلما لم يستفيدوا من تلك المكنة العظيمة والدولة القاهرة إلا الخيبة والخسار، والحسرة والبوار، فكيف يكون حال هؤلاء الفقراء المساكين، أما بيان أنهم كانوا أكثر من هؤلاء عددًا فإنما يعرف في الأخبار، وأما أنهم كانوا أشد قوة وآثارًا في الأرض، فلأنه قد بقيت آثارهم بحصون عظيمة بعدهم، مثل الأهرام الموجودة بمصر، ومثل هذه البلاد العظيمة التي بناها الملوك المتقدمون، ومثل ما حكى الله عنهم من أنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتًا.
ثم قال تعالى: {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} ما في قوله: {فَمَا أغنى عَنْهُمْ} نافية أو مضمنة معنى الاستفهام ومحلها النصب، وما في قوله: {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} موصولة أو مصدرية ومحلها الرفع يعني أي شيء أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم.
ثم بيّن تعالى أن أولئك الكفار لما جاءتهم رسلهم بالبينات والمعجزات فرحوا بما عندهم من العلم، واعلم أن الضمير في قوله: {فَرِحُواْ} يحتمل أن يكون عائدًا إلى الكفار، وأن يكون عائدًا إلى الرسل، أما إذا قلنا إنه عائد إلى الكفار، فذلك العلم الذي فرحوا به أي علم كان؟ وفيه وجوه الأول: أن يكون المراد الأشياء التي كانوا يسمونها بالعلم، وهي الشبهات التي حكاها الله عنهم في القرآن كقولهم {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر} [الجاثية: 24] وقولهم {لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148] وقولهم {مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} [يس: 78]، {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى لأَجِدَنَّ خَيْرًا مّنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 36] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء، كما قال: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]، الثاني: يجوز أن يكون المراد علوم الفلاسفة، فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علومهم، وعن سقراط أنه سمع بمجيء بعض الأنبياء فقيل له لو هاجرت فقال نحن قوم مهديون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا الثالث: يجوز أن يكون المراد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مّنَ الحياة الدنيا وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غافلون} [الروم: 7]، {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ العلم} [النجم: 30] فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات وهي معرفة الله تعالى ومعرفة المعاد وتطهير النفس عن الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزؤا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به.
أما إذا قلنا الضمير عائد إلى الأنبياء ففيه وجهان الأول: أن يجعل الفرح للرسل، ومعناه أن الرسل لما رأوا من قومهم جهلًا كاملًا، وإعراضًا عن الحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم، فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه، وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم الثاني: أن يكون المراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به، كأنه قال استهزؤا بالبينات، وبما جاؤا به من علم الوحي فرحين، ويدل عليه قوله تعالى: {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ}.
ثم قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} البأس شدة العذاب ومنه قوله تعالى: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165] فإن قيل أي فرق بين قوله: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم} وبين ما لو قيل فلم ينفعهم إيمانهم؟ قلنا هو مثل كان في نحو قوله: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} [مريم: 35] والمعنى فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم، فإن قيل اذكروا ضابطًا في الوقت الذي لا ينفع الإتيان بالإيمان فيه، قلنا إنه الوقت الذي يعاين فيه نزول ملائكة الرحمة والعذاب، لأن في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى الإيمان فذلك الإيمان لا ينفع إنما ينفع مع القدرة على خلافه، حتى يكون المرء مختارًا، أما إذا عاينوا علامات الآخرة فلا.
ثم قال تعالى: {سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ في عِبَادِهِ} والمعنى أن عدم قبول الإيمان حال اليأس سنة الله مطردة في كل الأمم.
ثم قال: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} فقوله: {هُنَالِكَ} مستعار للزمان أي وخسروا وقت رؤية البأس، والله الهادي للصواب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض} حتى يشاهدوا آثار الأمم السالفة {كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} عددًا {وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرض فَمَآ أغنى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الأبنية والأموال وما أدالوا به من الأولاد والأتباع؛ يقال: دلوت بفلان إليك أي استشفعت به إليك.
وعلى هذا {ما} للجحد أي فلم يغن عنهم ذلك شيئًا.
وقيل: {ما} للاستفهام أي أيّ شيء أغنى عنهم كسبهم حين هلكوا.
ولم ينصرف {أَكْثَرَ} لأنه على وزن أفعل.
وزعم الكوفيون أن كل ما لا ينصرف فإنه يجوز أن ينصرف إلا أفعل من كذا فإنه لا يجوز صرفه بوجه في شعر ولا غيره إذا كانت معه من.
قال أبو العباس: ولو كانت مِن المانعة من صرفه لوجب ألا يقال: مررت بخير منك وشر منك ومن عمرو.
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} أي بالآيات الواضحات.
{فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} في معناه ثلاثة أقوال.
قال مجاهد: إن الكفار الذين فرحوا بما عندهم من العلم قالوا: نحن أعلم منهم لن نعذّب ولن نبعث.
وقيل: فرح الكفار بما عندهم من علم الدنيا نحو {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحياة الدنيا} [الروم: 7].
وقيل: الذين فرحوا الرسل لمّا كذبهم قومهم أعلمهم الله عز وجل أنه مهلك الكافرين ومنجيهم والمؤمنين ف {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} بنجاة المؤمنين {وَحَاقَ بِهِم} أي بالكفار {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي عقاب استهزائهم بما جاء به الرسل صلوات الله عليهم.
قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي عاينوا العذاب.
{قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} أي بالأوثان التي أشركناهم في العبادة {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} بالله عند معاينة العذاب وحين رأوا البأس.
{سُنَّةَ الله} مصدر؛ لأن العرب تقول: سَنّ يسن سنًّا وسُنّة؛ أي سنّ الله عز وجل في الكفار أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب وقد مضى هذا مبينًا في النساء ويونس وأن التوبة لا تقبل بعد رؤية العذاب وحصول العلم الضروري.
وقيل: أي احذروا يا أهل مكة سنّة الله في إهلاك الكفرة ف {سنّة اللَّهِ} منصوب على التحذير والإغراء.
{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} قال الزجاج: وقد كانوا خاسرين من قبل ذلك إلا أنه بيّن لنا الخسران لما رأوا العذاب.
وقيل: فيه تقديم وتأخير؛ أي {لَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} كسنتنا في جميع الكافرين ف {سنة} نصب بنزع الخافض أي كسنّة الله في الأمم كلها.
والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} أي أقعدوا فلم يسيروا على أحد الرأيين:
{كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَارًا في الأرض} إلخ استئناف نظير ما مر في نظيره أول السورة بل أكثر الكلام هناك جار هاهنا {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} {مَا} الأولى: نافية أو استفهامية في معنى النفي في محل نصب بأغنى، والثانية: موصولة في موضع رفع به أو مصدرية والمصدر الحاصل بالتأويل مرفوع به أيضًا أي لم يغن عنهم أو أي شيء أغنى عنهم الذي كسبوه أو كسبهم.
{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} المعجزات أو الآيات الواضحات الشاملة لذلك {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ العلم} ذكر فيه ستة أوجه:
الأول: أن المراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة فيما يتعلق بالمبدأ والمعاد وغيرهما أو عقائدهم المتعلقة بأحوال الآخرة كما هو ظاهر كلام الكشاف، والتعبير عن ذلك بالعلم على زعمهم للتهكم كما في قوله تعالى: {بَلِ ادرك عِلْمُهُمْ في الآخرة} [النمل: 66].
والمعنى أنهم كانوا يفرحون بذلك ويستحقرون له علم الرسل عليهم السلام ويدفعون به البينات.
الثاني: أن المراد به علم الفلاسفة والدهريين من بني يونان على اختلاف أنواعه فكانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغروا علم الأنبياء عليهم السلام إلى ما عندهم من ذلك.
وعن سقراط أنه سمع بموسى عليه الصلاة والسلام، وقيل له: لو هاجرت إليه فقال: نحن قوم مهذبون فلا حاجة لنا إلى من يهذبنا.